صدى كندا- تورنتو
” لسنا بحاجة لمهاجرة لتعلمنا كيف نتعامل مع أطفالنا ” تلك الكلمات كانت سببا في أن تتخذ رندا مشكي مسارا جديدا حياتها جعل منها اليوم أحد أبزر المدربين الإقليمين والوطنيين المعتمدين في كندا في مجال العدالة الاجتماعية والمؤسس لأحد أبرز مراكز العلاج النفسي ولعلاج ما بعد الصدمات في اونتاريو رندا التي لم تسعى يوما لأن يضع أمام اسمها أحد تلك الاحرف أو المسميات التي يفتخر البعض بها استطاعت أن تشق طريقها في كندا رغم كل الصعاب التي واجهتها منذ أكثر من سبع وعشرين عاما. قررت اليوم أن تشارك تجربتها الرائدة لتكون نموذجا لكثير من المهاجرين العرب.
وبرغم حصولها على شهادة عليا من أحد أبرز الجامعات في فرنسا في مجال المختبرات الطبية إلا إن الطريق لم يكن أمامها ممهدا عند قدومها على كندا بحسب قولها ، وأضافت مشكي خلال لقاء صحفي خاص أجرته معه صدى كندا: ” أفتخر بكوني فلسطينية مقدسية كندية ، أثناء دراستي الجامعية انطلقت شرارة الانتفاضة الأولى وبسببها تضررت دراستي الجماعية في مجال المختبرات الطبية ولكن لم استسلم بل بحثت عن بديل وجاء البديل على يد مدرس فرنسي كان يتطوع للعمل في الجامعات الفلسطينية في ذاك الوقت والذي ساعدني على أن استكمل دراستي في بلده الأم بل واستضافتني عائلته”.
ويعتبر المجتمع المحافظ الذي لم يكن في ذلك الوقت يتقبل خروج فتاة للدراسة في دولة أجنبية أول العقبات التي واجهتها في تلك المرحلة إلا أن مشكي تمكنت من اقناع عائلتها، قائلة:” بعد رفضهم في البداية نجاحي أصبح مصدر فخر لهم خاصة بعد أن عدت للوطن وتمكنت من مساعدة الكثيرين في الداخل من خلال عملي.”
كندا ليست أرض الأحلام
في عام 96 انتقلت رندا مشكي لكندا بعد زواجها ويبدو أن العقبة التي يواجها مهاجرو اليوم كانت هي أول عقبة اصطدمت فيها عند وصولوها لكندا، ” لا يختلف اليوم عن الأمس جئت بشهادة عليا من أبرز الجامعات الفرنسية وشاء القدر أن نستقر في أونتاريو حيث لم يتم الاعتراف بشهادتي وكان لابد أن أعيد الكرة والدراسة للمرة الثانية ولكن في تلك اللحظة شعرت أن هذه رسالة بأن أبحث في مجال أخر” على حد قولها.
ويبدو أن الصدفة البحتة هي ما قدت مشكي لان تصبح ما أصبحت عليه اليوم، حيث أضافت:” بالصدفة أحضر زوجي صحيفة فيها اعلان لطلب موظفين للعمل في برامج ضد العنف تحت مظلة مؤسسة المركز الصحي الفرنسي للمجتمع، دخلت في حينها للعمل معهم من خلال دورة كانت هي أساس شغفي في هذا المجال ولأبدأ رحلتي فيه”.
وقالت:” بدأت العمل في المدارس للتعريف بالعنف ضد الأطفال، وكنت اعلم الأطفال كيف يواجهون التنمر، بعد فترة تمت ترقيتي وبدأت بتقديم دورات للأهالي والمدرسين، بحيث نقدم للأهل طرق لصنع توازن بين قيمهم وقيم المجتمع الكندي، واستمررت في العمل معهم حتى أصبحت مدربة على المستوى الإقليمي في كندا”.
وتكمل مشكي:” واجهت التفرقة في المدارس أثناء تأديتي لعملي رغم اجتهادي وسعي وكان لابد من أن أتخذ قرارا لأن أكمل دراستي بحيث أن أصبح أكثر تخصصا في المجال الذي شعرت انه جزء مني، وذلك كله بعد أن قال لي أحد المدرسين ” لسنا بحاجة لمهاجرة لتعلمنا كيف نتعامل مع أطفالنا ” في ذلك اليوم وبدعم من مديرة المؤسسة التي كنت أعمل بها عدت لمقاعد الدراسة ولكن هذه المرة للحصول على شهادة الماجستير.
ويبدو أن العودة لمقاعد الدراسة لم يكن خيارا سهلا لمشكي التي كانت تعمل في عملها بدوام كامل، قائلة:” لقد كان علي أن أجد المكان الذي يتناسب مع حياتي كأم لطفلين وموظفة “.
تسع سنوات هي المدة التي استغرقتها مشكي لتصنع إنجازا جديدا يضاف لاسمها، وقالت:” أنا لم أكن أسعى يوما لأن يعرفني الناس من خلال مسمى أمام اسمي بل من خلال عملي وما أقدمه ولكن هذه الخطوة واكمال الدراسة كانت ضرورية “.
وتشرح عن تلك الفترة، بدأت عام 2007 متطلبات البكالوريس وفي عام 2012 بدأت متطلبات الماجستير وكانت تلك السنوات دراسي بدوام جزئي حتى تمكنت من الحصول على درجة الماجستير في عام 2016، واستمرت بالعمل مع المؤسسة وتقدمت فيها حتى أصبحت المدير العام فيها في عام 2018 وحتى مؤخرا قررت أن اتفرغ لعملي الخاص ولكن قبلها تمكنت من إيصال المؤسسة لأن تكون معروفة في جميع المقاطعات، وقررت أن أتفرغ لعملي كمعالج نفسي متخصص بعلاج التجارب المؤلمة، وضحايا الحروب وخاصة من الأطفال”.
علاج أون لاين
غير أن الوباء العالمي كان فرصة لمشكي لكي تبدأ خطواتها الأولى في تأسيس عملها الخاص بعد حصولها على شهادة للعلاج عن طريق (الأون لاين)، وعملت في أبرز المؤسسات العاملة بمجال الصحة العقلية كمعالج نفسي باللغتين الفرنسية والانجليزية.
وعن تجربتها في إنشاء مركزها الخاص تقول: “أحاول أن أغذي عملائي روحيا ليصلو لمرحلة العطاء، بعد خبرة أكثر من سبع وعشرين عاما أنا اليوم قادرة على مساعدة الأشخاص على تخطي التجارب المؤلمة التي ربما لا تتعلق فقط بالحروب، وأسعى أيضا لأن أكون اليد التي تساعد كل طفل مختلف “.
وعن ما تواجهه خلال عملها الحالي أشارت إلى أن ” بعض العملاء من الجاليات العربية يكون لديه تخوف من التعامل مع معالج نفسي يحكي نفس لهجته خوفا من الخصوصية، ولكن ما لا يعلمه الكثيرون أن لدينا قسما أديناه قبل أن نعمل في هذه المهنة وأن الخصوصية وسرية العمل هي واجب وشي لا يمكن التلاعب فيه “.
وما تسعى إليه مشكي اليوم أن يتقبل الناس الآخر وأن لا يحكموا على شخص من شكله أو لونه أو جنسه، كما حدث معها على حد تعبيرها، وأضافت اليوم تعلمت بعد كل هذه السنوات أن لا كل نقد على محل شخصي فبعض الأشخاص نقدهم هو مجرد غطاء لمشاكلهم الشخصية”.